حوزة قم العلمیة في مسار التكامل، تستجیب لاحتیاجات العالم الشیعي

0

أکد ممثل قائد الثورة الإسلامیة في العراق، آیة الله السید مجتبی الحسینی، في حوار مع وکالة أنباء الحوزة، بمناسبة الذکری المئویة لتأسیس الحوزة العلمیة في قم، علی الدور الرفیع لهذه المؤسسة في الحفاظ علی الهویة الدینیة، وتربیة الشخصیات الخالدة، والاستجابة لاحتیاجات المجتمع، والاستعداد للإجابة علی القضایا المستحدثة، معتبراً التعاون بین الحوزتین العلمیتین في النجف وقم طریقاً لتعزیز المعارف الإسلامیة.
وفي تفصیل الحوار، أشار آیة الله السید مجتبی الحسینی إلی أن الحوزة العلمیة في قم، وعلی مدی قرن من الزمان، قد اجتازت مراحل مختلفة، کان من أصعبها فترة حکم البهلوي، حیث تعرضت لضغوط شدیدة. إلا أنها تمکنت من الحفاظ علی هویتها ومکانتها، وتجاوز تلک الفترة الصعبة.
وأضاف: بفضل الله، ازدهرت الحوزة العلمیة في قم یوماً بعد یوم، وتوافد إلیها المزید من الطلاب، وشهدت إقبالاً واسعاً. هذا الإقبال ساهم في استمرارها وتحولها إلی مرکز علمي عالمي. وحاولت حوزات أخری، مثل النجف، جاهدةً البقاء، وهي لا تزال قائمة بفضل الله. الیوم، تعیش الحوزة في قم وضعاً جیداً، ولکن کان یمکنها تحقیق مزید من التقدم في فترة زمنیة أقصر.
وأشار ممثل الولي الفقیه في العراق إلی دور العلماء والشخصیات المؤثرة في الحوزة، موضحاً: تخرجت من هذه الحوزة شخصیات خالدة، مثل الشهید مطهري (رضوان الله علیه) وغیره من الشهداء البارزین الذین کانوا من کبار العلماء والفضلاء الذین أثروا في المجتمع، وعززوا الفکر الدینی، وهيأوا الأرضیة لحرکات اجتماعیة مهمة. هذه الإنجازات هی من برکات الحوزة.
وذکر أیضاً: في تلک الفترات، کانت تصدر من الحوزة مجلات عدیدة، وهو ما کان یعتبر عملاً جدیداً ومهمّاً. کانت هذه المجلات تجیب علی العدید من أسئلة المجتمع. وفي داخل هذه الحوزة، تم إنشاء مؤسسات للإجابة علی مسائل الشباب والناس. ولکن الأهم من کل ذلک، کان إرسال المبلغین من الحوزة العلمیة في قم إلی جمیع أنحاء البلاد، بل وإلی العالم، الأمر الذي لعب دوراً کبیراً في نشر المعارف.
واستطرد آیة الله الحسینی: في جریان الثورة الإسلامیة أیضاً، کانت الجذور تنطلق من هذه الحوزة. تأسست الثورة علی أساس حرکة مجموعة من الأساتذة والمدّرسین الکبار في الحوزة. تم إرسالهم إلی مناطق مختلفة من البلاد، وقاموا بالتبلیغ والترویج للمعارف الإسلامیة. وعلی عکس رغبة العدو الذي کان یرید عزل الحوزة وإقصاءها، تسببت هذه الحرکات في توسیع نفوذ الحوزة في جمیع أنحاء إیران، وهيأت الأرضیة للثورة. کما انتشر اسم الإمام الخميني (رضوان الله علیه) من قبل تلامذته في مناطق مختلفة من البلاد.
وأشار إلی استمرار هذا المسار، قائلاً: الیوم أیضاً، تسیر الحوزة العلمیة في طریق التكامل، وقد لبت جزءاً کبیراً من احتیاجات العالم، وخاصة احتیاجات العالم الشیعي.
وفي رده علی سؤال آخر حول دور الحوزة في تکوین وترویج المعارف الإسلامیة في ظل الثورة الإسلامیة، قال آیة الله الحسینی: کما ذکرت سابقاً، فقد رعت الحوزة العلمیة في قم شخصیات عظیمة مثل الشهید مطهري وآیة الله مصباح الیزدي وغیرهم من الکبار، وقد لعب کل منهم دوراً لا یضاهی في تبیین وترویج المعارف الإسلامیة. انتشر علماء وفضلاء هذه الحوزة في جمیع أنحاء إیران وهيأوا الأرضیة للثورة. کانوا تلامیذ الإمام الخميني واستلهموا من تعالیمه.
وأضاف: لقد واجه نظام الجمهوریة الإسلامیة في إیران والشعب الإیراني بعد الثورة هجمات وانحرافات عدیدة، لکن الحوزة العلمیة في قم لا تزال في الخط الأمامي للاستجابة لهذه التحدیات، وتلعب دورها الحیوي في صیانة الدین ونشر المعارف الإسلامیة.
وتابع ممثل قائد الثورة الإسلامیة شرح التحدیات الفکریة والثقافیة التي تواجه الحوزة العلمیة في قم في مواجهة التيارات الغربیة والالتقاطیة، مؤکداً علی التعاون العمیق بین الحوزتین العلمیتین في النجف وقم.
وبین أن الحوزة العلمیة في قم تصدت لهذه التيارات، وأضاف: قام الطلاب والعلماء الموفدون من الحوزة العلمیة إلی مناطق مختلفة، بإجراء مناظرات ونقاشات عدیدة في هذا المجال. في مدن مختلفة من إیران، تم أخذ مکافحة الفکر الالتقاطي والعلمانی علی محمل الجد، وتمکنوا من تقدیم الإسلام الخالص القائم علی التعبد بالقرآن والسنة. تم تقدیم هذه النظرة الإسلامیة في الأبعاد الفقهیة والعملیة، وفی المجالات الاقتصادیة والتربویة والعبادیة والاجتماعیة. وقف الطلاب الذین هاجروا من قم أو ذهبوا إلی مناطق مختلفة في أیام التبلیغ، في وجه هذه التيارات وترکوا آثاراً جیدة.
وفي رده علی سؤال حول العلاقة بین الحوزتین العلمیتین في النجف وقم، صرح ممثل قائد الثورة الإسلامیة في العراق: بطبیعة الحال، کان للحوزتین في قم والنجف تأثیرات متبادلة کثیرة علی بعضهما البعض. الکثیر من الأساتذة الحاليین في الحوزة العلمیة في قم، أتموا دراستهم في النجف
وتابع: هذا التفاعل المتبادل والتأثیر المتبادل بین هاتین الحوزتین کان جاداً للغایة. لدرجة أنه لا یمکن الیوم التمییز بشکل أساسي بین حوزة النجف وحوزة قم. لکن هناک فرقاً واحداً؛ الحوزة العلمیة في قم، بسبب وجودها في ظل نظام الجمهوریة الإسلامیة، تتمتع بإمکانیات النظام والتطور والتنوع الکبیر في الدروس. في المقابل، فإن الحوزة العلمیة في النجف لا تتمتع بذلک التوسع بسبب عدم وجود دعم سیاسي وقلق الأساتذة من تقیید الحریات العلمیة.
وأشار آیة الله الحسینی إلی أن: مع کل هذه الظروف، لا تزال الحوزة العلمیة في النجف، بالاعتماد علی تاریخها العریق وعمقها العلمي وحضور الفضلاء البارزین، تحتفظ بمکانتها المهمة في العالم الشیعي. حوزتا قم والنجف تکملان بعضهما البعض، والوحدة العلمیة والمعنویة بینهما تؤدي إلی زیادة تعزیز المعارف الإسلامیة علی المستوی العالمی.
الفقه یجب أن یجیب علی القضایا المستحدثة / حاجة الیوم للحوزة هي معرفة الموضوعات الجدیدة والتکیف مع الکبریات الفقهیة
أکد آیة الله السید مجتبی الحسینی، ممثل قائد الثورة الإسلامیة، بالإشارة إلی التطورات الفکریة والاحتیاجات المستجدة في المجتمعات الإسلامیة: یجب أن یکون الفقه قادراً علی الإجابة علی القضایا المستحدثة والمستجدة. وذکر أن المؤسسات بدأت تتشکل حالیاً لتصنیف وتبویب القضایا الفقهیة الجدیدة، وقال: بعض هذه الموضوعات الجدیدة، متجذرة في مناقشات القدماء، لکنها تطرح الیوم بعبارات وصیاغات أحدث.
وأضاف: القضایا المستحدثة التي نواجهها الیوم، طرحت في الماضي بشکل أعم وفي إطار الکبریات الفقهیة. علی سبیل المثال، یجب أن ندرس ما إذا کانت میاه الشرب أو الکهرباء أو التلفزیون أو الإنترنت من فئة الخدمات التي یستحق علیها الأجر، أم أنها من فئة بیع وشراء الخدمات؟
وتابع: یجب علی الفقیه، مع الأخذ في الاعتبار العناصر المختلفة، دراسة هذه الموضوعات بعنایة وتحدید مکانتها بین الفئات الفقهیة. ثم، بالرجوع إلی الأصول والقواعد التي تنطبق علی تلک الفئة، یستنبط الحکم الفقهي للموضوع الجدید.
واعتبر ممثل قائد الثورة الإسلامیة، ضرورة تبادل الأفکار والتأمل الجماعي في الموضوعات المستجدة، وقال: معرفة الموضوع هي أحد أهم أرکان الإجابة علی القضایا الجدیدة. في کثیر من الأحیان، یکمن سبب ضعفنا في تقدیم إجابة واضحة ودقیقة في عدم الفهم الکامل للموضوع.
وفي إشارة إلی السؤال الخامس حول احتیاجات الحوزات العلمیة في المستقبل والتطورات الضروریة في النظام التعلیمي والاجتماعي، صرح: في رأيي، فإن أهم حاجة للحوزات الیوم هی المعرفة الدقیقة للموضوعات الجدیدة. یجب دراسة الموضوعات الجدیدة التي ظهرت في الوضع الحالي لحیاة الناس، وما هي الکبریات التي یمکن تطبیق هذه الموضوعات علیها؛ ثم یتم استخراج أحکامها بناءً علی نفس القواعد الفقهیة العامة.
وأضاف آیة الله الحسینی: بعد انتصار الثورة الإسلامیة، ظهرت سلسلة من الهیاکل والمؤسسات التي لا یمکن تجاهلها. بذلت جهود سریعة لجعل هذه الهیاکل إسلامیة. أي أن ما کان موجوداً ومتداولاً، تم تقدیمه بلون وشکل إسلامي. لکنني أعتقد أنه علی المدی الطویل، یجب تربیة علماء لدیهم معرفة دقیقة بالموضوعات وعالم الیوم، ومعرفة باحتیاجات الیوم، ومعرفة کاملة بالأصول الدینیة والمباني الإسلامیة.
وشدد علی: یجب علی هؤلاء العلماء أن ینظروا إلی الإسلام من منظور شامل وأن یعرفوا کیف ینبغي تصمیم وتنفیذ النظام الإسلامي في الاقتصاد والتعلیم والتدریب والتوظیف وغیرها من المجالات.
وأضاف ممثل قائد الثورة الإسلامیة: علی سبیل المثال، في مناقشة التوظیف، یجب دراسة ما إذا کانت هذه العلاقة من فئة الإیجار، أم أنها نوع من العقد الجدید بین الحکومة والشعب والمؤسسات؟ کما یجب دراسة کیف تعتبر القضایا المتعلقة بالمیاه والکهرباء معاملة. إذا أردنا تنظیم متطلباتهم الفقهیة علی أساس الشروط، فيجب أن نعرف أولاً ما إذا کانت هذه أمثلة للإیجار أم بیع سلعة لا تباع؟
وأشار آیة الله الحسینی إلی أن: هناک دائماً شبهات تثار في أذهان بعض الناس من قبل الأعداء بشعارات مثل الحریة وحریة الإنسان. یجب تحدید هذه الشبهات وإعداد إجابات منطقیة ومعقولة ومقنعة لها. ثم یجب تبیین هذه الإجابات للشباب وعامة الناس بشکل صحیح ومستنیر حتی لا ینحرفوا عن طریق العقل والدین.
وذکر آیة الله السید مجتبی الحسینی، ممثل قائد الثورة الإسلامیة في العراق: لا توجد فجوة جوهریة في الفکر بین الحوزة العلمیة في قم والنجف؛ بل إن هذین المرکزین العلمیین، في عمق الفکر، متداخلان تماماً ویأخذان من بعضهما البعض ولا یوجد بینهما فجوة فکریة. ومع ذلک، فمن المناسب تعزیز هذه الاتصالات والتعارفات العلمیة باستمرار.
وأضاف: الأفضل أن تسافر مجموعات الطلاب والأساتذة القادمین من إیران إلی النجف أو العکس، في إطار برامج علمیة منظمة. خاصة عندما یذهب أستاذ من إیران إلی النجف، فمن المستحسن أن یتفاعل مع أساتذة هناک أیضاً. هذا التفاعل یجعل الأستاذ الإیراني یتعرف علی أجواء النجف وروح الشباب العراقي، ویتعرف الطلاب والأساتذة النجفیون علی خصائص الأستاذ والأجواء العلمیة في إیران.
وشدد آیة الله الحسینی علی: یجب أن تکون هذه التفاعلات ذات اتجاهین، وأن یتخذ الطلاب العراقیون الذین یأتون إلی قم أو مشهد هذه الرحلات في إطار منظم وبهدف التبادل العلمي والثقافي. الهدف هو ألا تکون هذه الرحلات مجرد زیارات أو مبادرات شعبیة؛ بل أن تکون اللقاءات علمیة وفکریة.
وتابع ممثل قائد الثورة في العراق: یجب تنظیم دورات تدریبیة وتعلیمیة وعلمیة مشترکة بین الحوزتین العلمیتین في النجف وقم (وحتی مشهد). یمکن لمثل هذا التبادل الفکري والمعرفة المتبادلة أن یؤدي إلی النمو المتبادل والتآزر العلمي. کما أن إنشاء هیئات من فضلاء الطرفین لتبادل الآراء والتشاور ودراسة القضایا العلمیة والاجتماعیة، أمر فعال وضروري للغایة.
وأشار إلی أن: هذا النوع من التعاون یؤدي إلی أنه إذا کان هناک نقص في إحدی الحوزات، فإنه یتم رفعه أو تحسینه بالتفاعل مع الأخری. یمکن نقل الکمالات العلمیة لکل حوزة إلی الحوزة الأخری، وفی النهایة، یؤدي إلی رفع المستوی العلمي لکلتا الحوزتین.
وفي الختام، أشار آیة الله الحسینی إلی مناسبة مرور 100 عاماً علی تأسیس الحوزة العلمیة في قم وإحیاء ذکری آیة الله المؤسس الشیخ عبدالکریم الحائري الیزدي، وقال: آمل أن تکون هذه المناسبة مصدراً للبرکات الوفیرة وأن تحظی الروح العظیمة لذلک العالم الرباني وغیره من الکبار وحراس هذا العلم، برضا الله تعالی. إن شاء الله، هذا المسار المبارک سیستمر حتی ظهور منجی الإسلام والمسلمین.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.